كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



(قَوْلُهُ وَكَوْنُ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ مَاهِيَّةً إلَخْ) لَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ تَحْرِيرُ مَعْنَى جَعْلِيَّةِ الْمَاهِيَّاتِ بَلْ يُوهِمُ أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا جَعْلِيَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ لَخَصَّهُ الْكَمَالُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ سم عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَوَاقِفِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمَاهِيَّةُ لَيْسَتْ مَجْعُولَةً أَنَّهَا فِي حَدِّ أَنْفُسِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا جَعْلُ جَاعِلٍ وَتَأْثِيرُ مُؤَثِّرٍ، فَإِنَّك إذَا لَاحَظْت مَاهِيَّةَ السَّوَادِ، وَلَمْ تُلَاحِظْ مَعَهَا مَفْهُومًا سِوَاهَا لَمْ يُعْقَلْ هُنَاكَ جَعْلُ إذْ لَا مُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ وَنَفْسِهَا حَتَّى يُتَصَوَّرَ تَوَسُّطُ جَعْلٍ بَيْنَهُمَا فَتَكُونُ إحْدَاهُمَا مَجْعُولَةً تِلْكَ الْأُخْرَى.
وَكَذَا لَا يُتَصَوَّرُ تَأْثِيرُ الْفَاعِلِ فِي الْوُجُودِ بِمَعْنَى جَعْلِ الْوُجُودِ وُجُودًا بَلْ تَأْثِيرُهُ فِي الْمَاهِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجْعَلُهَا مُتَّصِفَةً بِالْوُجُودِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجْعَلُ اتِّصَافَهَا مَوْجُودًا مُتَحَقِّقًا فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ الصَّبَّاغَ إذَا صَبَغَ ثَوْبًا لَا يُجْعَلُ الثَّوْبُ ثَوْبًا وَلَا الصَّبْغُ صَبْغًا بَلْ يُجْعَلُ الثَّوْبُ مُتَّصِفًا بِالصَّبْغِ فِي الْخَارِجِ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ اتِّصَافُهُ بِهِ مَوْجُودًا ثَابِتًا فِي الْخَارِجِ فَلَيْسَتْ الْمَاهِيَّاتُ فِي أَنْفُسِهَا مَجْعُولَةً وَلَا وُجُودَاتُهَا أَيْضًا فِي أَنْفُسِهَا مَجْعُولَةً بَلْ الْمَاهِيَّاتُ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةً مَجْعُولَةً يَعْنِي أَنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى اتِّصَافِهَا بِالْوُجُودِ مَجْعُولَةً، وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنَازَعَ فِيهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نَفْيِ الْمَجْعُولِيَّةِ عَنْ الْمَاهِيَّاتِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَبَيْنَ إثْبَاتِهَا لَهَا بِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا أَنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُتَوَهَّمُ بُطْلَانُهُ فَالْقَوْلُ بِنَفْيِ الْمَجْعُولِيَّةِ مُطْلَقًا وَبِإِثْبَاتِهَا مُطْلَقًا كِلَاهُمَا صَحِيحٌ إذَا حُمِلَا عَلَى مَا صَوَّرْنَاهُ. اهـ.
أَيْ لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى أَنَّهَا لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ مَوْجُودٌ خَارِجًا إلَخْ) هَذَا خِلَافُ التَّحْقِيقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهِ عِبَارَةُ الْبُرْهَانِ لِلْفَاضِلِ الْكَلَنْبَوِيِّ وَلَا شَيْءَ مِنْ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ أَيْ الْمَنْطِقِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَالطَّبِيعِيِّ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ لِاسْتِحَالَةِ الْوُجُودِ بِدُونِ التَّشَخُّصِ بِدَاهِيَةٍ، وَإِنْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى وُجُودِ الْمَنْطِقِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَالْكَثِيرِ إلَى وُجُودِ الطَّبِيعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَيْ الطَّبِيعِيَّ جَزْءُ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ وَهُوَ الْفَرْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْهُ وَمِنْ الْمُشَخِّصَاتِ كَزَيْدٍ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالْمُشَخِّصَاتِ لَكِنَّهُ أَيْ الطَّبِيعِيَّ جَزْءٌ عَقْلِيٌّ مِنْ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا جَزْءٌ خَارِجِيٌّ مِنْهُ فِي مَذْهَبِ التَّحْقِيقِ فَالْحَقُّ أَنَّ وُجُودَهُ أَيْ الطَّبِيعِيِّ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِ أَفْرَادِهِ وَأَشْخَاصِهِ لَا أَنَّ نَفْسَهُ مَعَ كَوْنِهِ مَعْرُوضًا لِقَابِلِيَّةِ التَّكَثُّرِ مَوْجُودٌ فِيهِ أَيْ فِي الْخَارِجِ، وَلِذَا جَعَلُوا الْكُلِّيَّةَ وَأَقْسَامَهَا مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ لَا مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَأَمَّا الْكُلِّيُّ الْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ فَكَمَا لَا وُجُودَ لِأَنْفُسِهِمَا فِي الْخَارِجِ لَا وُجُودَ لِإِفْرَادِهِمَا فِيهِ. اهـ.
زَادَ عَلَيْهَا الرُّشْدِيُّ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْبِرْكَوِيُّ فِي الْإِمْعَانِ وُجُودُ الْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيِّ فِي الْأَشْخَاصِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ جُزْئِيٍّ مَعْنًى كُلِّيٌّ حَاصِلٌ فِي الْعَقْلِ بِتَجْرِيدِهِ عَنْ الْمُشَخِّصَاتِ إذْ الْكُلِّيُّ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مَوْجُودًا فِي أَمْكِنَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَذَلِكَ بَيِّنُ الِاسْتِحَالَةِ وَإِنْ قَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ إنَّهُ مَوْجُودٌ فِي ضِمْنِ الْأَشْخَاصِ؛ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْهَا. اهـ. وَعِبَارَةُ تَهْذِيبِ السَّعْدِ وَتُؤْخَذُ بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَتُسَمَّى مَخْلُوطَةً وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُودِهَا وَبِشَرْطِ لَا شَيْءَ تُسَمَّى مُجَرَّدَةً وَلَا تُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ فَضْلًا عَنْ الْأَعْيَانِ وَلَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَخْلُوطَةِ فَتُوجَدُ لِكَوْنِهَا نَفْسَهَا فِي الْخَارِجِ لَا جُزْءًا مِنْهَا لِعَدَمِ التَّمَايُزِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ. اهـ.
وَقَالَ مُحَشِّيهِ عَبْدُ اللَّهِ الْيَزْدِيُّ الْمَاهِيَّةُ لَهَا اعْتِبَارَاتٌ ثَلَاثَةٌ أَوَّلُهَا أَنَّهَا تُؤْخَذُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْعَوَارِضِ وَحِينَئِذٍ تُسَمَّى تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ مَاهِيَّةً مَخْلُوطَةً وَمَاهِيَّةً بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُودِهَا وَثَانِيهَا أَنَّهَا تُؤْخَذُ بِشَرْطِ الْخُلُوِّ عَنْ جَمِيعِ اللَّوَاحِقِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى مَاهِيَّةً مُجَرَّدَةً وَمَاهِيَّةً بِشَرْطٍ لَا شَيْءَ، وَهَذِهِ لَا تُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ فَضْلًا عَنْ الْأَعْيَانِ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْغَيْرِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وَهَذِهِ تُسَمَّى مَاهِيَّةً مُطْلَقَةً وَمَاهِيَّةً لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَالْأَوَّلِيَّانِ نَوْعَانِ مِنْ الثَّالِثَةِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْهُمَا وَمَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ أَمَّا عِنْدَ النَّافِي لِوُجُودِ الطَّبَائِعِ فَوُجُودُهَا بِوُجُودِ الْمَاهِيَّةِ الْمَخْلُوطَةِ كَوُجُودِ الْكُلِّيَّاتِ بِوُجُودِ الْأَشْخَاصِ وَعِنْدَ الْقَائِلِ بِوُجُودِهَا هِيَ مَوْجُودَةٌ بِنَفْسِهَا بِوُجُودِ مُغَايِرٍ كَالْجِسْمِ الْأَبْيَضِ الْمَوْجُودِ بِوُجُودٍ غَيْرِ وُجُودِ الْبَيَاضِ وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ الْأَوَّلَ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَا جَزَّأَ مِنْهَا إلَى حُجَّةِ الْمُخَالِفِينَ، وَرَدَّهَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْمَاهِيَّةُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا جَزْءُ الْمَخْلُوطَةِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ وَجُزْءُ الْمَوْجُودِ مَوْجُودٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا خَارِجِيًّا لِعَدَمِ التَّمَايُزِ بَلْ جَزْءٌ عَقْلِيٌّ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْخَارِج. اهـ. بِاخْتِصَارٍ.
(قَوْلُهُ وَالتَّدْقِيقُ إلَخْ) زَادَ الْمُغْنِي وَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا بِفَائِقِ الْعِبَارَةِ الْحُلْوَةِ تَرْقِيقٌ وَبِمُرَاعَاةِ عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْبَدِيعِ تَنْمِيقٌ وَالسَّلَامَةُ فِيهَا مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّرْعِ تَوْفِيقٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْت) إلَى قَوْلِهِ إذْ الْأَصَحُّ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي.
(قَوْلُهُ وَلَا مَدْحَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ فَلَوْ عُدِلَ إلَى جَمْعِ الْكَثْرَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ نِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ إنَّ الْجَمْعَ الْمَعْرُوفَ إلَخْ) أَيْ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ بَيْنَ هَذَا) أَيْ الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ فِي جَمْعِ السَّلَامَةِ) الْأَوْلَى فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ لِمَا دَخَلَ) الْأَوْلَى إذَا دَخَلَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ وُحْدَانٌ) بِضَمِّ الْوَاوِ أَيْ آحَادٌ كَالْمُفْرَدِ الْعَامِّ.
(قَوْلُهُ الْمُسْتَلْزِمُ إلَخْ) صِفَةٌ لِاعْتِبَارِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ لِكُلِّ جَمْعٍ مِنْهَا) حَاجَةٌ إلَى جَمْعٍ.
(قَوْلُهُ فَنَظَرَ النُّحَاةُ) فِعْلٌ وَفَاعِلٌ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا لِأَنَّهُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا؛ لِأَنَّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ وَضْعِ جَمْعِ السَّلَامَةِ) أَيْ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ إذَا عُرِفَ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامٌ.
(قَوْلُهُ وَتُوُفِّيَ) إلَى قَوْلِهِ وَوَلَدُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي.
(قَوْلُهُ عَنْ نَيِّفٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَضَاءَتْ لَهُ الْكُرُومُ وَحُكِيَ أَنَّ شَجَرَةً أَضَاءَتْ عَلَيْهِ لَمَّا فَقَدَ عِنْدَ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَوَلَدُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) ذَكَرَ الْمُغْنِي طَرَفًا مِنْ أَحْوَالِ الْمُصَنِّفِ قُبَيْلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ إنَّهُ قُطْبٌ) أَيْ الْمُصَنِّفُ.
(قَوْلُهُ وَأَنَّ الشَّيْخَ) أَيْ الْمُصَنِّفَ عُطِفَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ كَاشَفَهُ بِذَلِكَ) أَيْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ أَيْ بِعِلْمِهِ بِقُطْبِيَّتِهِ فِي الْقَامُوسِ كَاشَفَهُ بِالْعَدَاوَةِ بِإِدَامِهَا. اهـ.
(وَهُوَ) أَيْ الْمُحَرَّرُ وَمَدْحُهُ بِمَا يَأْتِي مَدْحٌ لِكِتَابِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ مَعَ مَا تَمَيَّزَ بِهِ، وَلَيْسَ مَدْحُ الْأَئِمَّةِ لِكُتُبِهِمْ فَخْرًا بَلْ هُوَ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الْأَوْلَى وَالْأَكْمَلِ مُبَالَغَةً فِي النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ (كَثِيرُ الْفَوَائِدِ) الَّتِي ابْتَدَعَهَا مُؤَلِّفُهُ وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهَا مَنْ قَبْلَهُ جَمْعُ فَائِدَةٍ وَهِيَ مَا يُرْغَبُ فِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْ الْفُؤَادِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَلُ بِهِ فَتَرِدُ عَلَيْهِ اسْتِفَادَةً، وَمِنْهُ إفَادَةٌ وَعُرِّفَتْ بِكُلِّ نَافِعٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ مِنْ فَادَ أَتَى بِنَفْعٍ (عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ) أَيْ بَيَانِ الرَّاجِحِ وَإِيضَاحِ الْمُشْتَبَهِ مِنْهُ، وَأَصْلُهُ مَكَانُ الذَّهَابِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِمَا يُذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ تَشْبِيهًا لِلْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الرَّاجِحِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْمَذْهَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَذَا (مُعْتَمَدٌ) تَرَقٍّ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ عُمْدَةٍ فَهُوَ مُغْنٍ عَنْهُ لَوْلَا غَرَضُ الْإِطْنَابِ فِي الْمَدْحِ (لِلْمُفْتِي) أَيْ الْمُجِيبِ فِي الْحَوَادِثِ بِمَا يَسْتَنْبِطُهُ أَوْ يُرَجِّحُهُ وَلِحُدُوثِ جَوَابِهِ وَقُوَّتِهِ شُبِّهَ بِالْفَتَى فِي السِّنِّ مِنْ فَتِيَ يَفْتَى كَعَلِمَ يَعْلَمُ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لَهُ لَفْظَا الْفَتْوَى بِالْفَتْحِ أَوْ الْفُتْيَا بِالضَّمِّ (وَغَيْرِهِ) وَهُوَ الْمُسْتَفِيدُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِإِفَادَةِ غَيْرِهِ (مِنْ) بَيَانِيَّةٌ (أَوْلَى) أَصْحَابُ (الرَّغَبَاتِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ جَمْعُ رَغْبَةٍ بِسُكُونِهَا وَهِيَ الِانْهِمَاكُ عَلَى الْخَيْرِ طَلَبًا لِحِيَازَةِ مَعَالِيهِ.
تَنْبِيهٌ:
مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَنِسْبَةِ مَا فِيهَا لِمُؤَلِّفِيهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ سَنَدُ النَّاقِلِ بِمُؤَلِّفِيهَا نَعَمْ النَّقْلُ مِنْ نُسْخَةِ كِتَابٍ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ وَثِقَ بِصِحَّتِهَا أَوْ تَعَدَّدَتْ تَعَدُّدًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهَا أَوْ رَأَى لَفْظَهَا مُنْتَظِمًا وَهُوَ خَبِيرٌ فَطِنٌ يُدْرِكُ السَّقَطَ وَالتَّحْرِيفَ فَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ قَالَ وَجَدْت كَذَا أَوْ نَحْوَهُ وَمِنْ جَوَازِ اعْتِمَادِ الْمُفْتِي مَا يَرَاهُ فِي كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَابُدَّ مِنْهُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ لَا يُعْتَمَدُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ الْفَحْصِ وَالتَّحَرِّي حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَتَابُعِ كُتُبٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَثْرَةَ قَدْ تَنْتَهِي إلَى وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الْقَفَّالِ أَوْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مَعَ كَثْرَتِهِمْ لَا يُفَرِّعُونَ وَيُؤَصِّلُونَ إلَّا عَلَى طَرِيقَتِهِ غَالِبًا، وَإِنْ خَالَفَتْ سَائِرَ الْأَصْحَابِ فَتَعَيَّنَ سَبْرُ كُتُبِهِمْ هَذَا كُلُّهُ فِي حُكْمٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّيْخَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ تَزَلْ مَشَايِخُنَا يُوصُونَ بِهِ وَيَنْقُلُونَهُ عَنْ مَشَايِخِهِمْ وَهُمْ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ.
وَهَكَذَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُتَعَقِّبُو كَلَامِهِمَا عَلَى أَنَّهُ سَهْوٌ وَأَنَّى بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ كَادُوا يُجْمِعُونَ عَلَيْهِ فِي إيجَابِهِمَا النَّفَقَةَ بِفَرْضِ الْقَاضِي وَمَعَ ذَلِكَ بَالَغْت فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ كَبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْمُصَنِّفُ فَإِنْ وُجِدَ لِلرَّافِعِيِّ تَرْجِيحٌ دُونَهُ فَهُوَ، وَقَدْ بَيَّنْت سَبَبَ إيثَارِهِمَا وَإِنْ خَالَفَا الْأَكْثَرِينَ فِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ بِمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ مُرَاجَعَتِهِ وَمِنْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مُقَدَّمٌ عَلَى بَقِيَّةِ كُتُبِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ أَيْضًا بَلْ الْغَالِبُ تَقْدِيمُ مَا هُوَ مُتَتَبَّعٌ فِيهِ كَالتَّحْقِيقِ فَالْمَجْمُوعِ فَالتَّنْقِيحِ ثُمَّ مَا هُوَ مُخْتَصَرٌ فِيهِ كَالرَّوْضَةِ فَالْمِنْهَاجِ وَنَحْوِ فَتَاوَاهُ فَشَرْحِ مُسْلِمٍ فَتَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَنُكَتِهِ مِنْ أَوَائِلِ تَأْلِيفِهِ فَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَمَّا ذُكِرَ وَهَذَا تَقْرِيبٌ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ تَعَارُضِ هَذِهِ الْكُتُبِ مُرَاجَعَةُ كَلَامِ مُعْتَمِدِي الْمُتَأَخِّرِينَ وَاتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ مِنْهَا (وَقَدْ اُلْتُزِمَ) اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ فَقَدْ حِينَئِذٍ وَاجِبَةُ الذِّكْرِ أَوْ التَّقْدِيرِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِتُقَرِّبَ الْمَاضِيَ مِنْ الْحَالِ وَاعْتَرَضَهُمْ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِمَا رَدَدْته عَلَيْهِمْ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
(مُصَنَّفَةٌ رَحِمَهُ اللَّهُ) بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي خُطْبَتِهِ نَاصٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ فَقَوْلُ السُّبْكِيّ أَنَّ هَذَا لَا يُفْهَمُ الْتِزَامًا مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُصَرَّحُ بِهِ (أَنْ يَنُصَّ) فِيمَا فِيهِ خِلَافًا أَيْ غَالِبًا (عَلَى مَا صَحَّحَهُ) فِيهِ (مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ)؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ إلَى الْقَلِيلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْكَثِيرِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا دَلِيلَ يُعَضِّدُ مَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّونَ وَإِلَّا اتَّبَعُوا وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ لَهُمَا أَعْنِي الشَّيْخَيْنِ تَرْجِيحُ مَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ وَلَوْ وَاحِدًا فِي مُقَابَلَةِ الْأَصْحَابِ وَاعْتَرَضَهُمَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِمَا رَدَدْته عَلَيْهِمْ فِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَأَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، وَبِمَا قَرَّرْته يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الرَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ يَجْزِمُ بِبَحْثٍ لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِيمَا فِيهِ تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ وَرَدَّهُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَطَّرِدُ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا دَخَلَ فِي إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ تَصْرِيحِهِمْ بِهِ فَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ فَهِمَ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِهِمْ فَنَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ تَصْرِيحِهِمْ بِهِ (وَوَفَّى) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ أَيْ الرَّافِعِيُّ وَيَصِحُّ عَلَى بُعْدٍ عَوْدُهُ لِلْمُحَرَّرِ (بِمَا الْتَزَمَهُ) حَسْبَمَا ظَهَرَ لَهُ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُنَافِي اسْتِدْرَاكَهُ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي (وَهُوَ) أَيْ مَا الْتَزَمَهُ (مِنْ أَهَمِّ) الْمَطْلُوبَاتِ (أَوْ) أَيْ بَلْ هُوَ (أَهَمُّ) وَجَرُّهُ مُفْسِدٌ لِلْمَعْنَى (الْمَطْلُوبَاتِ) لِمَنْ يُرِيدُ مَعْرِفَةَ الرَّاجِحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيَصِحُّ كَوْنُ أَوْ لِلتَّرْدِيدِ إبْهَامًا عَلَى السَّامِعِ وَتَنْشِيطًا لَهُ إلَى الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ وَلِلتَّنْوِيعِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الرَّاجِحِ مَذْهَبًا مِنْ الْأَهَمِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحَاطَةَ بِالْمَدَارِكِ وَهِيَ الْأَهَمُّ لِمَنْ يُرِيدُ مُجَرَّدَ الْإِفْتَاءِ أَوْ الْعَمَلِ، وَمُدْرَكًا بِالْعَكْسِ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْأَهَمُّ مُطْلَقًا وَإِنْ قَلَّ نَائِلُوهَا وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.